أبطال محليّون: مكافحة الاتجار بالبشر في مقدونيا الشمالية

عندما بلغت مورينا* الـ13 من عمرها، كانت قد اختبرت جميع مآسي الحياة.
فقد أُجبِرَت على التسول وهي لا تزال في الخامسة من عمرها، ثم تم الاتجار بها في دوّمة من الاستغلال المروّع، وبدأت حياتها تنهار.
تعكس قصة مورينا أزمة عالمية، إذ يُقَدَّر عدد الأشخاص العالقين في براثن الرق المعاصر بنحو 50 مليون شخص تقريبًا، ولا يزال الأطفال والنساء معرضين لمخاطره بشكل غير متناسب.
وقد أخبرت مورينا قائلة: "فقدتُ الأمل في الحياة. لقد تم الاتجار بي، وتعرضتُ للإهانة، ولم أعد أشعر بأنني إنسانة حتّى."
وفي إحدى المرات، تم الاتجار بمورينا جنسيًا لأكثر من عشرة رجال في اليوم الواحد، فيما عانت من سوء تغذية وتسمم وسوء معاملة نفسية متواصلة.
وعندما أصبحت حاملًا، أرسلها المتّجر بها إلى عاصمة مقدونيا الشمالية، سكوبيه، لإجهاض الجنين.
لكن، ما إن وصلت إلى العاصمة حتّى قامت بما لا يمكن تصوره: وجدت الشجاعة لإبلاغ السلطات عن خاطفها.
ملاذ آمن
بدأت رحلة مورينا نحو الشفاء والتئام الجراح عندما تم إيداعها في مأوى أصبح منارة أمل للفتيات أمثالها. وقد مدّها المأوى، الذي تديره منظمة البوابة المفتوحة/ لا سترادا، وهي منظمة وطنية لمكافحة الاتجار بالبشر، بشعور جديد، ألا وهو الثقة في المستقبل.
وأوضحت قائلة: "لم أكن أعلم بوجود مثل هذا المكان. وعندما وصلْتُ، لم أثق بأحد. لكنّ الناس في المأوى غمروني بحب شعرتُ به للمرة الأولى."
يستوعب المأوى، حيث يعمل مرشدون اجتماعيون على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، ست فتيات لكن من الممكن أن يستقبل المزيد في حالات الطوارئ. وتتناقض غرفه النظيفة وجدرانه الملوّنة بالزهر والأزرق والمزينة بأعمال الفتيات الفنية تناقضًا صارخًا مع حياتهن السابقة.
تأسس مركز البوابة المفتوحة/ لا سترادا في العام 2000، وهو يسعى إلى مكافحة الاتجار بالأشخاص في شمال مقدونيا. كما أنّه لا يدعم الناجيات فحسب، بل يركّز أيضًا على تعزيز القوانين ومحاسبة المتّجرين بالأشخاص.
وقد أوضحت المديرة التنفيذية والمؤسسة المشاركة لمنظمة البوابة المفتوحة/ لا سترادا، ياسمينا راجكوفسكا قائلة: "لقد عملنا جنبًا إلى جنب مع المؤسسات الحكومية والمنظمات الدولية بغية إصدار قانون يسمح للضحايا بالحصول على تعويض أثناء إجراءات المحكمة. والمأوى جزء من منظمة لا سترادا الدولية، وهي شبكة تضم 33 مجموعة منتشرة في 27 دولة. ولا تدير المنظمة المأوى فحسب، بل تقدم للناجيات خطًا ساخنًا على مدار الساعة، والمساعدة القانونية والدعم النفسي والاجتماعي والمساعدة في إعادة الاندماج في المجتمع.

ياسمينا راجكوفسكا، المديرة التنفيذية والمؤسسة المشاركة لمنظمة البوابة المفتوحة/ لا سترادا، مقدونيا الشمالية. © المفوضية السامية لحقوق الإنسان / فنسنت تريمو
تمويل النضال
يأتي تمويل المأوى من مصادر متعددة. إذ تساهم حكومة مقدونيا الشمالية بخُمس التكاليف تقريبًا، فيما تساهم جهات مانحة دولية بما تبقى، ومنها على سبيل المثال لا الحصر صندوق الأمم المتحدة الاستئماني للتبرعات من أجل مكافحة أشكال الرِّق المعاصرة، الذي يعتمد على التبرعات من الدول الأعضاء بما فيها أستراليا وألمانيا والمملكة العربية السعودية والمملكة المتحدة. ومع ذلك، لا يزال تأمين التمويل المستدام يشكل تحديًا مستمرًا للمأوى ومكافحة الرق على نطاق أوسع.
وأوضح السكرتير الثاني في سفارة ألمانيا في سكوبيه كيفن ماس، خلال أول زيارة يقوم بها يومًا شريك في التمويل إلى مشروع يدعمه الصندوق، قائلًا: "إن عمل الصندوق لحاسم حتمًا. فأشكال الرقّ المعاصرة والعنف لن يختفيا من تلقاء نفسيهما، لذا فإن ألمانيا فخورة بدعم جهود الصندوق."
ويؤدي صندوق الأمم المتحدة الاستئماني دورًا أساسيًا في مكافحة أشكال الرِّق المعاصرة على المستوى العالمي. ويوجه الصندوق الموارد من الجهات المانحة مثل ألمانيا إلى المنظمات التي تكافح الرق وتساعد الناجين. وفي العام 2024 وحده، ساعد الصندوق أكثر من 10,000 ناجٍ من خلال 44 منحة وُزِّعَت على 35 دولة.
"الاتجار بالأشخاص أزمة عالمية من الأفضل مكافحتها عبر حلول محلية مصممة خصيصًا لتلبية احتياجات كل منطقة. ويوفر الصندوق الأموال الأولية إلى المنظمات الشعبية، على غرار البوابة المفتوحة/ لا سترادا، ما يمكّنها من تقديم المساعدة الضرورية إلى الناجين. إلاّ أنّ الفجوة التمويلية لا تزال قائمة"، على حدّ ما أفادت به سوزان كوبيدج، العضو في مجلس إدارة الصندوق.
تدرك حكومة مقدونيا الشمالية التحديات المختلفة، وقد التزمت بتوسيع نطاق دعمها.
وأوضح نائب وزير السياسة الاجتماعية والديموغرافيا والشباب في مقدونيا الشمالية جيوكو فيلكوفسكي قائلًا: "إنّ عددًا كبيرًا من الضحايا بحاجة إلى دعمنا، والحكومة مستعدة لتوسيع نطاق قدراتها." كما شدّد على ضرورة تحسين القوانين وتنفيذها ومواصلة العمل المشترك مع الأطراف المعنية الأخرى.
وفي حين أن الدعم المالي أمر حيوي، إلاّ أنّ التصدي للاتجار بالأشخاص يتطلّب أيضًا أطرًا قانونية حازمة وتطبيقًا متسقًا للقانون. فقد حكمت إحدى المحاكم الجنائية مؤخرًا على 13 متّجرًا بقاصر بالسجن لفترات لا تتخطّى الحد الأدنى المفروض، وحرمت الضحية من التعويض، ما يؤكد بروز ثغرات في تطبيق القانون.
وشرحت راجكوفسكا من منظّمة البوابة المفتوحة/ لا سترادا قائلة: "لقد طبقت الحكومة بعض القوانين، لكن الممارسات القضائية غالبًا ما تبقى دون المستوى المطلوب. فالأحكام الصادرة بحق الجناة غير متسقة، كما يواجه الضحايا صدمة إضافية بسبب عدم كفاية الدعم. ويزيد الفساد والقدرات المؤسسية المحدودة من تعقيد مكافحة الاتجار بالبشر."
وفي حين لا تزال التحديات المالية والقانونية قائمة، إلا أن من يكافحون الاتجار بالأشخاص في مقدونيا الشمالية يلمسون بعض التقدم. ويعود سبب ذلك بشكل أساسي إلى الجهود الوطنية والدولية المبذولة في هذا الصدد.
مستقبل أكثر إشراقًا: مكافحة الاتجار بالأطفال في مقدونيا الشمالية
المضي قدمًا: إنهاء الاتجار بالأطفال في مقدونيا الشمالية
إنّ وجود منزل والكثير من الحب غيّرا حياة فتيات عديدة، شأنهنّ شأن مورينا.
وقد أخبرت مورينا قائلة: "عندما وصلت، لم أكن أعلم بوجود مثل هذا المكان. لم أكن أؤمن بنفسي. ومع الوقت أدركتُ أنّه يمكنني فعلًا إحداث فرق ومساعدة الفتيات الأخريات اللواتي يجدن أنفسهن في الوضع الذي كنت أنا فيه في السابق."
ولدى مورينا خطط للمستقبل. فقد أصبحت في الـ19 من عمرها، ولم تعد تعيش في المأوى، على الرغم من أنها تتواصل مع المرشدين الاجتماعيين كلما شعرت بالحاجة إلى ذلك. وهي اليوم متزوجة كما عادت إلى المدرسة، وتأمل أن تصبح طاهية.
وتنهمر دموعها عندما تتذكر رحلتها المروعة، لكنها سرعان ما تتمالك نفسها. ربما يكون ماضيها قد أثّر عليها، لكنه لم يعد يحدد هويّتها، وعيناها تلمعان وهي تتصور مستقبلاً ملؤه الأمل والإمكانات.
* ليس اسمها الحقيقي.
يصادف 2 كانون الأول/ ديسمبر اليوم العالمي للقضاء على جميع أشكال العبودية.
“
أنا اليوم هنا لأنني أرغب في مساعدة الفتيات الأخريات. أريد أن أتوسل إليهن ألا يفقدن الأمل، فالنور مشرق في نهاية النفق تمامًا كما الشمس في نهاية المطاف.
“
مورينا، ناجية من الاتجار بالأشخاص والعبودية
الحياة في منظّمة البوابة المفتوحة/ لا سترادا

أعمال فنية من صنع فتيات مقيمات في المأوى الذي تديره البوابة المفتوحة/ لا سترادا. © المفوضية السامية لحقوق الإنسان/ فنسنت تريمو

فتاة مقيمة في المأوى تكتب وتتعلم الكلمات باللغة الإنكليزية. © المفوضية السامية لحقوق الإنسان/ فنسنت تريمو

غرفة نوم في المأوى الذي تديره البوابة المفتوحة/ لا سترادا. © المفوضية السامية لحقوق الإنسان/ فنسنت تريمو

فتاة مقيمة في المأوى تعد القهوة التركية. © المفوضية السامية لحقوق الإنسان/ فنسنت تريمو

غرفة نوم في المأوى الذي تديره البوابة المفتوحة/ لا سترادا. © المفوضية السامية لحقوق الإنسان/ فنسنت تريمو

فتاة مقيمة في المأوى تكتب وتتعلم الكلمات باللغة الإنكليزية. © المفوضية السامية لحقوق الإنسان/ فنسنت تريمو

فتاة مقيمة في المأوى تصنع شجرة العيد. © المفوضية السامية لحقوق الإنسان/ فنسنت تريمو
* Morena is not her real name.
December 2 marks the International Day for the Abolition of Slavery.