لجنة الأمم المتحدة للتحقيق: " في سوريا كذلك، وقف إطلاق النار مطلب عاجل"
11 آذار/مارس 2024
للمشاركة
جنيف (11 آذار/مارس 2024) – تواجه سوريا موجة من العنف لم تشهدها منذ عام 2020، وفق تحذيرٍ للجنة الأمم المتحدة للتحقيق بشأن سوريا، ورد ضمن تقرير صادر اليوم. وعلى مستوى الجبهات المتعددة، قامت أطراف النزاع بشن هجمات ضد المدنيين والمرافق الأساسية بأشكال من المُحتمل أن ترقى إلى جرائم حرب، بينما تتسبب أزمة إنسانية غير مسبوقة في تفاقم اليأس لدى السوريين.
"منذ تشرين الأول/أكتوبر، شهدت سوريا أشدَّ تصاعدٍ للقتال خلال أربع سنوات. وبالنظر للاضطراب الذي تشهده المنطقة، يظل الجهد الدولي الحثيث لاحتواء القتال ضمن الأراضي السورية أمرا ملحا. في سوريا كذلك، وقف إطلاق النار مطلب عاجل"، وفق ما ذكر باولو بينهيرو، رئيس اللجنة.
وأضاف قائلا: "لا يمكن للشعب السوري أن يتحمل أي تكثيفٍ لهذه الحرب المدمرة التي طال أمدها. إن أكثر من %90 يعانون حاليا من الفقر، ويشهد الاقتصاد انهيارا تاما في ظل تشديد العقوبات، بينما يؤدي الانتشار المتزايد لحالة انعدام القانون إلى ممارسات ضارة وإلى الابتزاز من طرف القوات والمليشيات المسلحة."
وتفاقم القتال في سوريا منذ 5 تشرين الأول/أكتوبر على إثر سلسلة من الانفجارات أثناء حفل تخريج طلاب الكلية الحربية في مدينة حمص الخاضعة لسيطرة النظام، مما أدى إلى مقتل 63 شخصا على الأقل، من بينهم 37 مدنيا، وإصابة العشرات.
وجاءت ردة فعل القوات الحكومية السورية والقوات الروسية من خلال القيام، خلال ثلاثة أسابيع فقط، بقصف 2300 موقع على الأقل في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، مما تسبب في قتل وإصابة المئات من المدنيين. وشهدت هذه الهجمات العشوائية، التي قد ترقى إلى جرائم حرب، استهداف مشافي ومدارس وأسواق ومخيمات للنازحين -كلها معروفة وبادية للعيان-، كما استمرت هذه الهجمات منذ ذلك الحين.
وقال عضو اللجنة هاني مجالي: "قامت القوات الحكومية السورية مجددا باستخدام القنابل العنقودية في المناطق المكتظة بالسكان، وفق الأنماط المدمرة وغير القانونية التي قمنا بتوثيقها في السابق. وأدت هجمات تشرين الأول/أكتوبر إلى فرار حوالي 120 ألف شخص، سبق للعديد منهم أن نزح أكثر من مرة، بما في ذلك في أعقاب الزلازل المدمرة لشهر شباط/فبراير الماضي"، قبل أن يضيف: " خلال تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بلغ عدد السوريين طالبي اللجوء في أوروبا أعلى مستوى خلال سبع سنوات، ولا ينبغي أن يكون الأمر مفاجئا. تظل سوريا مسرحا لأكبر أزمة نزوح على الصعيد العالمي، تسبَّبت في جعل 13 مليون سوري عاجزين عن العودة إلى بيوتهم."
ومنذ بداية الهجمة على غزة، اشتدت التوترات بين بعض القوات الأجنبية الستة النشطة داخل سوريا، لا سيما القوات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية، مما أدى إلى زيادة المخاوف بشأن اتساع رقعة النزاع. وأفيد بأن إسرائيل قامت، 35 مرة على الأقل، بضرب مواقع وقوات يُزعم ارتباطها بإيران، كما استهدفت مطارَي حلب ودمشق، بشكل أدى إلى وقف مؤقت للخدمات الجوية الإنسانية والحيوية للأمم المتحدة. وأفيد كذلك بأن مليشيات موالية لإيران استهدفت، أكثر من 100 مرة، قواعد عسكرية أمريكية في شمال شرق سوريا. وردَّت الولايات المتحدة الأمريكية من خلال ضربات جوية موجهة ضد المليشيات الداعمة لإيران والمتواجدة شرق سوريا.
وفي نفس الوقت، قام الجيش التركي بتسريع وثيرة العمليات ضد قوات سوريا الديمقراطية بقيادة الأكراد (قسد) في شمال وشرق سوريا، رداً على هجمة في أنقرة خلال تشرين الأول/أكتوبر، تبنَّاها حزب العمال الكردستاني. وأدت الهجمات الجوية التركية ضد محطات الطاقة إلى حرمان مليون شخص من الماء والكهرباء طيلة أسابيع، وذلك في انتهاك للقانون الإنساني الدولي. وتم كذلك قتل مدنيين في هجمات جوية مُوجَّهة، ضمن نمط من الهجمات التركية بالطائرات المُسيَّرة. وقد ترقى مثل هذه الهجمات إلى جرائم الحرب.
إن تفاقم العنف في شمال وشرق سوريا، والانقسام على مستوى التحالفات العسكرية، واشتداد الاقتتال الداخلي بين قوات قسد التي يقودها الأكراد ومقاتلي العشائر في دير الزور، عوامل أدت إلى شن العديد من الهجمات غير المشروعة التي أدت إلى وقوع العديد من الضحايا المدنيين. وتتأجَّج الأعمال العدائية المستمرة بفعل مظالم قائمة منذ سنوات عديدة، وفشل الإدارة الذاتية – التي يقودها الأكراد وتعاني من ضائقة مالية – في تقديم الخدمات الحيوية بشكل يضمن الحقوق الأساسية.
وكثف تنظيم داعش من عملياته في وسط سوريا، ليس فقط تلك الموجهة ضد الأهداف العسكرية، بل كذلك ضد المدنيين في المناطق الحضرية، من خلال هجمات يُحتمل أن ترقى إلى جرائم حرب. وذكرت تقارير حديثة كذلك أن مدنيين كانوا يحاولون كسب قوت عيشهم من خلال النشاط المربح لجمع الكمأة، تعرضوا مجددا للقتل في المنطقة الصحراوية في وسط سوريا. وزادت حدة القتال بين القوات الأردنية ومهربي المخدرات على الحدود السورية – الأردنية، مع قتل وإصابة المدنيين العالقين في فخ هذه الاشتباكات.
وواصلت الحكومة السورية ممارسة الاختفاء والتعذيب وسوء المعاملة بحق الأشخاص الذين تعتقلهم، وقامت اللجنة بتوثيق المزيد من الوفيات أثناء الاعتقال، بما في ذلك في سجن صيدنايا سيء الذكر. ومرت أربعة أشهر منذ أن أصدرت محكمة العدل الدولية قرارا يطالب النظام السوري بمنع التعذيب وتدمير الأدلة، لكن السلطات السورية مازالت تستغل وتعيق جهود الأهالي للتأكد من مصير الأقارب المعتقلين، من خلال اللجوء إلى الابتزاز.
وفي إدلب، واصلت هيئة تحرير الشام ارتكاب أعمالٍ ترقى إلى التعذيب وسوء المعاملة والحرمان غير القانوني من الحرية، في ظل وجود تقارير تفيد بحالات إعدام بناء على أحكام موجزة مقترنة بتهم تشمل الشعوذة والزنى والقتل. وقامت العديد من المنظمات النسائية بتعليق الأنشطة بسبب التهديدات، ومنع التراخيص المطلوبة من طرف هيئة تحرير الشام أو تأخير إصدارها. وفي المناطق الخاضعة لسيطرة "الجيش الوطني السوري"، استمرت أعمال التعذيب وسوء المعاملة في العديد من مرافق الاحتجاز. وواصلت بعض فصائل الجيش الوطني السوري مصادرة الأراضي ومحاصيل الزيتون التي تعود إلى أصحاب الأراضي المُتغيبين.
وذكرت عضوة اللجنة لين ولشمان: "قد يود العالم بشكل كبير نسيان هذا الأمر، لكن خمس سنوات مضت على سقوط باغوز عندما فقد داعش السيطرة على مناطق في سوريا، وما يزال حوالي 30 ألف طفل محتجزين في معسكرات الاعتقال، أو السجون، أو مراكز إعادة التأهيل في شمال وشرق سوريا. لقد كان هؤلاء الأطفال ضحايا بالفعل خلال فترة حكم تنظيم الدولة، فقط ليتعرضوا بعد ذلك لسنوات من الانتهاكات والاعتداءات المستمرة لحقوق الإنسان."
وخلصت اللجنة إلى أن ظروف العيش في مخيمي الهول وروج ترقى إلى المعاملة القاسية واللاإنسانية والاعتداء على الكرامة الشخصية.
وشددت عضوة اللجنة ولشمان على أنه "لا ينبغي أبدا لأي طفل أن يُعاقب بسبب أفعال أو معتقدات أبويه. نحث كل الدول على السماح للأطفال، بما في ذلك الأطفال السوريين، بالعودة حالا إلى أوطانهم قادمين من المخيمات، مع اتخاذ التدابير التي تكفل إعادة إدماجهم بالمجتمع والمساءلة بشأن الجرائم التي تعرضوا لها. كان عمر كل هؤلاء الأطفال 12 سنة أو ما دون ذلك أثناء حكم تنظيم الدولة – ما الجرائم التي قد تُبرر استمرار احتجازهم؟ لنضع الآن حدا للجمود."
وفي ظل كل هذه الأوضاع، يواجه السوريون مصاعب غير مسبوقة. ويظل 16.7 مليون شخص داخل سوريا بحاجة إلى المساعدة الإنسانية، وهو الرقم الأعلى من نوعه منذ اندلاع الأزمة. وإن الانخفاض الحاد للموارد التي يتيحها المانحون قد أجبر الأمم المتحدة على تعليق المساعدة الغذائية المنتظمة إلى سوريا، مما جعل الملايين من الأفراد على حافة الجوع. ورغم ذلك، تظل عملية إيصال المساعدات حبيسة القرارات التعسفية للحكومة السورية ومتعثرة بسبب العقوبات.
وستقوم اللجنة بتقديم تقريرها الأخير المُعد بموجب ولايتها إلى مجلس حقوق الإنسان يوم 18 آذار/مارس.