Skip to main content

إن عددًا من موظفي الأمم المتحدة بمن فيهم 8 من موظفي المفوضيّة السامية لحقوق الإنسان محتجزون في اليمن

تدعو المفوضية السامية لحقوق الإنسان إلى إطلاق سراحهم فورًا.

المزيد
إقفال

البيانات الإجراءات الخاصة

بيان نهاية المهمة للمقرر الخاص المعني بالأثر السلبي للإجراءات القسرية الأحادية على التمتع بحقوق الإنسان في الجمهورية العربية السورية، 13-17 أيار 2018

17 أيّار/مايو 2018

باللغة الانكليزية

بيان نهاية المهمة1

17 أيار 2018

ملاحظاتٌ أولية وتوصيات

أودّ أنْ أبدأ هذه الإحاطة بالتعبير عن امتناني لحكومة الجمهورية العربية السورية على دعوتي لزيارة البلد وعلى التفتّح والتجاوب اللذين حظيت بهما لتسهيل الاجتماعات المطلوبة لهذه المهمة. كما أودّ توجيه الشكر لمكتب المنسق المقيم وأعضاء فريق الأمم المتحدة في البلد ومكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان على دعمهم الثمين.

كلفني مجلس حقوق الإنسان بمهمة تقديم الرصد والإبلاغ والمشورة حول الأثر السلبي للإجراءات القسرية الأحادية على التمتع بحقوق الإنسان. وقد عبّرت الأمم المتحدة مراراً وتكراراً عن قلقها إزاء استخدام مثل هذه الإجراءات على نحوٍ قد يتناقض مع القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وميثاق الأمم المتحدة والقواعد والمبادئ التي تحكم العلاقات السلمية بين الدول2.

أثناء زيارتي، حظيت بشرف اللقاء بوزراء ومعاوني وزراء وكبار المسؤولين في وزارات الشؤون الخارجية والمغتربين والاقتصاد والتجارة الخارجية والإدارة المحلية والبيئة والشؤون الاجتماعية والعمل والنقل والزراعة والإصلاح الزراعي والكهرباء والصحة. كما التقيتُ بمدير هيئة التخطيط والتعاون الدولي والمكتب المركزي للإحصاء وغرفة التجارة وحاكم المصرف المركزي.

حصلت أيضاً على إحاطاتٍ من جانب المجتمع المدني والمنظمات الإنسانية وخبراء مستقلين. وأخيراً وليس آخراً، أعبّر أيضاً عن امتناني للبعثات الدبلوماسية المتعددة التي شاركتني بآرائها أثناء زيارتي. وأنا أقدّرٌ جداً الإحاطات التي حصلت عليها من اللّجنة الاقتصادية والاجتماعية للأمم المتحدة لغرب آسيا التي قدمتها لي في بيروت قبيل زيارتي هذه.

يتمثل الهدف من هذه البعثة بتفحّص إلى أية درجةٍ تعرقل هذه الإجراءات القسرية الأحادية التي تستهدف الجمهورية العربية السورية التحقيقَ الكامل للحقوق المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وغيره من الصكوك الدولية حول حقوق الإنسان. ومن المقرر أن أقدّم تقريري الكامل إلى مجلس حقوق الإنسان في أيلول 2018 وبعد ذلك إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة. يتضمن البيان الحالي ملاحظاتي التمهيدية على نتيجة زيارتي.

لقد بحثتُ الوضع في الجمهورية العربية السورية كونها هدف للإجراءات القسرية الأحادية من قبل عددٍ من دول المصدر. وتفحّصت أيضاً الأدلة ذات الصلة وسعيتُ جاهداً إلى تقييم الأثر الفعلي لمثل هذه الإجراءات على الشعب السوري. طبّق أحد بلدان المصدر إجراءات قسرية أحادية منذ عام ،1979 وتمّ تشديدها في السنوات اللاحقة. هذا وقد بدأت مجموعةٌ أكبر من الدول بتطبيق إجراءاتٍ قسريّة عام 2011.

تدعو هذه الإجراءات الشاملة إلى حظرٍ تجاريٍّ على استيراد وتصدير عددٍ من البضائع والخدمات كما تطال عمليات التحويل المالي الدولية. إنّ تراكم الحزم المختلفة للإجراءات في مختلف القطاعات مصحوباً بالتطبيق الشامل للتقييدات المالية يرقى في تأثيره الشامل إلى فرض قيودٍ شاملة على سورية. وهنالك إجراءات أخرى تستهدف الأفراد بحجة علاقتهم المزعومة مع الحكومة.

وبسبب شمولية هذه الإجراءات، فإنها قد خلّفت أثراً مدمراً على كامل الاقتصاد وعلى الحياة اليومية لعامة الشعب. وقد فاقم هذا الأثر معاناة أفراد الشعب نتيجة الأزمة المدمرة التي اندلعت منذ عام 2011. وإنّ فصل أثر الإجراءات القسرية الأحادية عن آثار الأزمة من شأنه أن يكون محفوفاً بالصعوبات، غير أنّه لا يقلل بأيّ شكلٍ من الأشكال من ضرورة اتخاذ ترتيبات لاستعادة حقوق الإنسان الأساسية ككلّ.

من الواضح أن هذه المعاناة التي فرضتها الإجراءات القسرية الأحادية قد فاقمت تلك التي سببها النزاع المسلّح. ويبدو بالفعل أنّ كلاً من أفعال مجموعات المعارضة المسلحة وهذه الإجراءات لها غايات متلاقية مزعزعةٌ في تأثيرها على الاستقرار. علاوةً على ذلك، من غير المنطقي أن هذه الإجراءات التي تطبقها دول المصدر من منطلق قلقها على حقوق الإنسان لا تسهم في الحقيقة إلا في تردي الأزمة الإنسانية كنتيجةٍ غير مقصودة.

الزيادة المهولة في معاناة الشعب السوري

يستمر الاقتصاد السوري في التراجع بمعدلٍ مخيفٍ. فمنذ تطبيق الإجراءات القسرية في العام 2011 وحتى وقتٍ مؤخّرٍ انخفض إجمالي الناتج المحلي بثلثي قيمته. فقد استنزف احتياطي العملة الصعبة وبقيت الأصول الدولية المالية وغيرها مجمدة. في عام 2010 كان سعر صرف الليرة السورية 45 للدولار الواحد لكن بحلول عام 2017 هبط سعر الصرف إلى 510 ل س للدولار. وارتفع معدل التضخم بشكل مهول منذ عام 2010 ليصل إلى ذورة بلغت 82.4% في سنة 2013 لوحدها، وارتفعت تكلفة المواد الغذائية ثمانية أضعاف في تلك الأثناء. هذه العوامل مجتمعة أدت إلى مزيد من التدهور في الظروف المعيشية للسكان التي كانت قد تدهورت أصلاً نتيجة النزاع المسلح. وألحق كل هذا ضرراً كبيراً بنصف السوريين العاملين الذين يعيشون على دخل ثابت.

النتائج غير المقصودة للإجراءات القسرية الأحادية

ألحق هذا الضرر بالاقتصاد آثاراً متوقعةً على قدرة السوريين في الحصول على حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. فقد تردت كل مؤشرات التنمية البشرية في سورية. وكانت هناك زيادة مهولة في معدل الفقر بين عامة السوريين. فبينما لم يكن هناك انعدام للأمن الغذائي قبل اندلاع العنف، بحلول العام 2015 تضرر 32% من السوريين نتيجة انعدامه. وفي الوقت نفسه ارتفع معدل البطالة من 8.5% عام 2010 إلى أكثر من 48% في العام 2015.

التقييدات المصرفية

من أكبر الانشغالات التي استمعت لها أثناء بعثتي فيما يتعلق بالأثر السلبي هي التقييدات المالية الشاملة وأثرها على كل جوانب الحياة السورية. فالتقييدات المفروضة على البنك المركزي وبنوك القطاع العام وحتى بنوك خاصة والمعاملات المالية بالعملات الدولية الأساسية قد ضرت على نحوٍ شاملٍ بقدرة أي فرد يسعى إلى العمل على نطاق دولي.

وعلى الرغم من أنها تشتمل على إشارة رمزية إلى "إستثناءات إنسانية"، إلا أن هذه الاستثناءات قد ثبت أنها مكلفة وشديدة البطء من حيث الوصول إليها من الناحية العملية.

إنّ عدم وضوح مصير العمليات المالية التي تنتهك أو لا تنتهك الإجراءات القسرية الأحادية قد أدى إلى إفراط الامتثال لتلك الإجراءات وإذاً إلى خلقِ "أثرٍ مثبّطٍ" على البنوك والشركات الدولية، الأمر الذي أدى إلى تحفظهم وعدم قدرتهم على التعامل مع سورية. منع هذا الشركات السورية والدولية والأطراف غير الحكومية (بمن فيهم أولئك الذين يمارسون مهام في ميادين إنسانية بحتة) والمواطنين السوريين من القيام بعمليات مالية دولية (بما فيها تلك المطلوبة لتمويل البضائع التي يعتبر استيرادها قانونياً) أو الحصول على اعتمادات، كما منعهم من تسديد استحقاقات المتعاقدين في سوريا.

فَرَضَ هذا على السوريين البحث عن بدائل مثل نظام الحوالة الذي أدى إلى تدفق ملايين الدولارات عبر وسطاء بعمولاتٍ مرتفعةٍ والذين يُزعم في بعض الأحيان أنهم يتبعون لمنظمات إرهابية. هذه القنوات غير الشفافة التي لا يمكن تدقيق عملها حسابياً والتي تزيد من تكاليف العمليات المالية تبقى المنفذ الوحيد للشركات الصغرى وممثلي المجتمع المدني السوري للعمل دولياً.

الرعاية الطبية

تقدم سورية رعايةً صحيةً مجانيةً شاملة لكل مواطنيها. قبل الأزمة الحالية كانت سورية تتمتع بأعلى مستويات الرعاية الصحية في المنطقة. إلا أنّ ارتفاع مستوى الطلب على هذه الرعاية نتيجة النزاع قد فاق طاقة النظام الصحي وخلق مستويات عالية من الحاجة لم يسبق لها مثيل.

على الرغم من هذا فإن الإجراءات القسرية خاصة تلك المرتبطة بالنظام المصرفي قد ضرت بقدرة سورية على شراء الأدوية والمعدات وقطع الغيار والبرمجيات. وفي الوقت الذي توجد فيه بعض الاستثناءات من الناحية النظرية، إلا أن الشركات الخاصة الدولية غير راغبة عملياً في التغلب على العقبات المطلوبة لضمان قدرتها على التعامل مع سورية تفادياً لشبهة انتهاك الإجراءات القسرية على نحو غير مقصود.

الهجرة و "هجرة العقول"

بينما كان الوضع الأمني عاملاً محورياً أدى إلى تدفق الهجرة من سورية، لا بد من التأكيد على أن الزيادة القياسية في البطالة وفقدان فرص العمل وإغلاق المعامل التي لم تعد قادرة على استيراد المواد الأولية أو حتى المعدات أو تصدير بضائعها كل هذا ساهم في زيادة هجرة السوريين. بعض الدول المضيفة اختارت مهاجرين من ذوي المهارات في الوقت الذي مارست فيه الضغط على السوريين الأقل حظاً للعودة إلى سورية. لقد ضرّت "هجرة العقول" بالصناعات الطبية وصناعات الأدوية على وجه التحديد في وقتٍ هو الأسوأ لسورية.

من غير المتوقع أن تؤدي النهاية المرتقبة للنزاع المسلح الحالي في البلد إلى وضع حد لتدفق اللاجئين خاصة إلى أوروبا نظراً لوصول البلدان المجاورة إلى درجةٍ لا تمكّنها من استيعاب المزيد منهم. ومن المحتمل أن تستمر هذه التدفقات طالما تُمنَع السلطات السورية بموجب الإجراءات القسرية من التصدي للمشاكل الملحة المرتبطة بالبنية التحتية الاجتماعية والاقتصادية، وخاصةً استعادة إمدادات المياه والكهرباء.

الحظر على المعدات وقطع الغيار

أدى الحظر على التجارة من حيث المعدات والآلات وقطع الغيار إلى تدمير الصناعة السورية. فالعربات بما فيها سيارات الإسعاف وأفواج الإطفاء والآلات الزراعية تعاني من نقصٍ في قطع الغيار. كما يؤثر تعطل مضخات المياه سلباً على إمدادات المياه وكذلك على الإنتاج الزراعي. وبدأت محطات توليد الطاقة تعاني من خلل في الوقت الذي لا يمكن فيها شراء محطات جديدة، مما أدى إلى انقطاعات في التيار الكهربائي. وقد بدأت الآلات المعقدة التي تحتاج إلى خبراء فنيين دوليين لصيانتها تتعطل، مما ألحق الضرر بالأدوات الطبية وآلات المعامل. كما لم تعد الطائرات المدنية مؤهلة للطيران بسلامة وأضحت حافلات النقل العامة في وضع يرثى له. مهما كانت الأسباب الموجبة لدى بلدان المصدر لوضع تقييدات على البضائع "ذات الاستخدام المزدوج"، على حد زعمها، إلا أن هناك حاجة لبذل جهود أكبر لضمان السماح باستيراد المنتجات التي من الواضح أنها ذات استخدامات مدنية والتي لا مشكلة في تسديد ثمنها.

الحظر على التكنولوجيا

نتيجةً للإجراءات القسرية الأحادية، لم يعد السوريون قادرين على شراء أو استخدام أو استيراد الكثير من الهواتف النقالة والحواسيب. إنّ الهيمنة العالمية لشركات البرمجيات والتقانة الأمريكية بما فيها البرمجيات المصرفية والمالية الواقعة تحت الحظر قد أدّت إلى صعوبةٍ في إيجاد البدائل. وهذا ما أدّى إلى شللٍ أو تعطيلٍ في الكثير من المؤسسات السورية.

التعليم والحقوق الثقافية

أصبحت قدرة السوريين على المشاركة في المجتمع الدولي متضررةً على نحوٍ حاد. فقد تمّ إقصاء السوريين عن برامج التبادل العلمي الدولي إضافة إلى الصعوبات البالغة في الحصول على تأشيرات، ما حال دون قدرة الكثيرين على الدراسة أو السفر خارجاً بما يساعدهم على تأهيل أنفسهم بالتدريب وصقل المهارات أو المشاركة في المؤتمرات الدولية. وبإلغاء الخدمات القنصلية في سوريا، أجبرت البلدانُ الأفرادَ بمن فيهم الأشدّ فقراً على السفر إلى بلدان مجاورةٍ لطلب الحصول على تلك التأشيرات، وهذه البلدان نفسها تفرض تقييداتٍ شاقةً على دخول السوريين.

الخاتمة

يساورني قلقٌ عميقٌ أنّ الإجراءات القسرية الأحادية تساهم في تفاقم معاناة الشعب السوري. ومن الصعب تصديق الادعاءات بأنها موجودةٌ لحماية السكان السوريين أو الحثّ على انتقال ديمقراطي في ظل المعاناة الاقتصادية والإنسانية التي تسببها. لقد حان الوقت لنسأل أنفسنا فيما إذا أصبحت هذه النتائج غير المقصودة تفوق في قسوتها قدرة أيّة دولةٍ ديمقراطيةٍ على تقبّلها. بغضّ النظر عن أهدافها السياسية، لا بدّ من وجود وسائل أكثر إنسانية يمكن من خلالها تحقيق تلك الأهداف.

بالنظر إلى تعقيد نظام الإجراءات القسرية الأحادية المفروض هناك حاجةٌ لاتباع مقاربة متعددة المراحل للاستجابة إلى وضع حقوق الإنسان الملحّ السائد في سوريا. وهذا من شأنه أن يتضمن مقاربةً متسلسلةً تقوم على الاستجابة للحاجات الإنسانية الأساسية للسكان في كامل سورية من دون شروطٍ مسبقةٍ عندما تتعلق تلك الحاجات بقضايا حياةٍ أو موت. يمكن أن تشتمل المرحلة الأولى على الاستجابة للحاجات الملحّة المتمثلة بانعدام الأمن الغذائي الذي يطال حوالي ثلث السكان. وتتمثل المرحلة الثانية بترجمة الإجراءات الفاعلة على الأرض لتحقيق التزام دول المصدر بالسماح بالاستثناءات الإنسانية خاصةً في القطاع المصرفي. أخيراً، لا بدّ من إطلاق حوارٍ جدّيٍّ يهدف إلى التخفيف من الإجراءات القسرية الأحادية بدءاً بتلك التي تخلّف أثرا فظيعاً على السّكّان ومروراّ بتلك التي تعزّز بناء الثقة بين الأطراف. آملُ أن يساهم تقريري وعملي المستقبلي في تحقيق هذه الغاية.

شكراً لكم.

ملاحظة:

1. سيتم نشر النسخة الرسمية من هذا البيان على هذا الرابط.  

2. للحصول على المزيد من المعلومات حول هذا الحظر يمكن الرجوع إلى التقارير والقرارات ذات الصلة على موقع المقرر الخاص.

الصفحة متوفرة باللغة: