إحاطة الجمعية العامة بشأن الأشخاص المفقودين في سوريا
08 نيسان/أبريل 2022
للمشاركة
أدلى/ت به
ميشيل باشيليت، مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان
في
الجمعية العامة
سيّدي الرئيس،
أصحاب السعادة،
أيّها الزملاء والأصدقاء الأعزّاء،
أستهلّ كلمتي مقتبسةً عبارات مدافعة سورية عن حقوق الإنسان، حيث أكدت أنّ "كل يوم تأخير يعرّض المزيد من الضحايا إلى الخطر، فمع كل يوم يمرّ من دون أن نحرّك ساكنًا نخسر المزيد من المعتقلين الذين يموتون في الاحتجاز."
فالسعي لتحديد مكان المفقودين في سوريا ومصيرهم، بما في ذلك المختفون قسرًا والمخطوفون والمعتقلون تعسفًا، يسلّط الضوء جهارًا على كلٍّ من الألم والخوف والمعاناة الدائمة، الذي يسبّبه النزاع المستمرّ والمروّع في البلاد. ولكنّ واقع أنّ أُسَر المفقودين من جميع أنحاء البلاد اتّحدوا، على الرغم من المخاطر الجلية التي تواجهها في المطالبة بالحقيقة والكشف عنها، يشكّل دليلًا دامغًا على صلابة الشعب السوري وشجاعته.
أرحّب بطلب الجمعية العامة في القرار 76/228 إعداد دراسة عن "كيفية تعزيز الجهود لتوضيح مصير وأماكن وجود المفقودين في الجمهورية العربية السورية، والتعرّف على الرفات البشرية وتقديم الدعم لأسرهم."
فحجم المأساة مروع، حيث يختفي الأشخاص في سياقات مختلفة، مثل الأعمال العدائية والتشرّد والاحتجاز. وفي الكثير من الأحيان، يترافق الاختفاء مع سلسلة من انتهاكات حقوق الإنسان وتجاوزاتها. وكما قال الأمين العام في إحاطته أمام هذه الجمعية العام الماضي، فإن عشرات الآلاف من السوريين يُحرَمون تعسفًا من حريتهم في ظروف مأساوية، وغالبًا ما يتعرّضون للتعذيب وسوء المعاملة. فقد تعرّض الرجال والنساء، وكذلك الأطفال، بمن فيهم الفتيان الذين لن يبلغوا الـ11 من عمرهم، للعنف الجنسي أثناء الاحتجاز.
ومع دخول النزاع في سوريا عامه الثاني عشر، لم يتمّ إحراز أيّ تقدم يُذكَر في معالجة مأساة المفقودين. وعلى الرغم من العمل الدؤوب الذي يبذله الضحايا والناجون السوريون والجمعيات الأسرية ومجموعات المجتمع المدني الأخرى، وجهود العديد من الهيئات الدولية، لا يزال وضع عشرات الآلاف من الأشخاص وأماكن وجودهم ومصيرهم مجهولين.
ولا تزال الآلاف من أسر المفقودين تجهل مصير أبنائها. ومن الضروري للغاية إبلاغها بمصير أحبّائها ومكان وجودهم والسماح لها بزيارتهم أو التواصل معهم. ويجب السماح لوكالات حقوق الإنسان والوكالات الإنسانية الأخرى بالوصول إلى جميع الأماكن التي يُحتجز فيها المعتقلون والمخطوفون.
وتؤدّي العقبات والانتهاكات التي تواجهها الأُسر عند البحث عن إجابات بشأن أقاربها إلى تفاقم صدمة عدم معرفة الحقيقة. ومن الحواجز المذكورة الخوف من الانتقام عند الإبلاغ عن حالات اختفاء، أو الابتزاز الذي يمارسه مَن يستغلّ يأس الأسر أو الرشاوى التي يفرضها. والجانب الأكثر ترويعًا هو السوق السوداء لتقارير مزورة ومزيفة عن الاحتجاز والاستجواب، التي تؤدّي إلى تفاقم معاناة الأسر.
والأسر من الضحايا أيضًا، ولها الحق في معرفة الحقيقة.
إن إعمال هذا الحق هو خطوة أساسية نحو المساءلة والمصالحة.
سيّدي الرئيس،
آمل أن تحمل الدراسةُ الدولَ وغيرها من الجهات الأخرى على اتّخاذ إجراءات صارمة لحل هذه الأزمة المؤلمة للغاية.
ومفوضيّتنا ملتزمة بأن تضع أصوات الضحايا وأسرهم في صميم الحلول المبتكرة لمعالجة قضية المفقودين. وأثناء إعداد التقرير، ستُواصل المفوضية السامية لحقوق الإنسان الالتقاء بمجموعة واسعة من الضحايا السوريين والناجين والجمعيات الأسرية ومنظمات المجتمع المدني الأخرى. وتماشيًا مع القرار 76/228، تسترشد هذه العملية بنهج قائم على الحقوق محوره الضحية، بالإضافة إلى مبادئ الموضوعية والشمولية وعدم إلحاق الضرر.
كما يجب أن تساهم آراء الأسر في إثراء أيّ خيار مُصمّم لمعالجة هذه القضية، والاعتراف بمشاركتها النشطة. فهي ليست الأكثر تضررًا فحسب، بل إنّ صوتها مهّم لتحديد احتياجات الأسر كافة والمجتمعات المحلية المتضررة من هذه المأساة، بما في ذلك ما تحتاجه من دعم مالي ونفسي واجتماعي.
وتحرص مفوضيّتنا على ضمان أن يأخذ إعداد التقرير بشأن المفقودين في الاعتبار الأثر الجنساني. فوجهات نظر المرأة ضرورية لتحقيق هذه الغاية. وكما أكد أحد أفراد الأسر خلال المشاورات "فإنّ المرأة تقود، على الرغم من المعاناة الشديدة على جميع المستويات والإيذاء المتصاعد، الجهود الرامية إلى اكتشاف الحقيقة." فقد حان الوقت كي نعترف بها وندعمها في قيادتها هذه.
ووفقًا لما يقتضيه القرار، تُعقَد أيضًا مشاورات ثنائية ومتعدّدة الأطراف مع الجهات الفاعلة المعنية الأخرى، مثل لجنة التحقيق بشأن سوريا والآلية الدولية المحايدة والمستقلة ومكتب المبعوث الخاص واللجنة الدولية للصليب الأحمر واللجنة الدولية المعنية بالمفقودين وفريق الأمم المتحدة العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي وفريق الأمم المتحدة العامل المعني بالاحتجاز التعسفي. كما يساهم أكثر من 15 خبيرًا دوليًا في إعداد التقرير من خلال تبادل الممارسات الجيدة البارزة في سياقات أخرى.
وبإمكان الدول الأعضاء أيضًا أن تساهم مساهمة حثيثة في دفع عجلة العمل في هذا المجال، كما يتضح من التوصيات العديدة بشأن المفقودين التي تمت صياغتها خلال الاستعراض الدوري الشامل الثالث لسوريا في كانون الثاني/ يناير. وقد أرسلت مفوضيّتنا مذكرة شفوية إلى جميع الدول الأعضاء في كانون الثاني/ يناير 2022، بما في ذلك إلى الحكومة السورية، للحصول على مدخلاتها، وعقدت اجتماعات ثنائية وجماعية مع العديد من الدول. أشجع جميع الدول على الاستجابة لطلب المفوضية السامية لحقوق الإنسان استقاء آرائها.
أصحاب السعادة،
سيضع هذا التقرير توصيات عملية من أجل تعزيز الجهود لتوضيح مصير وأماكن وجود المفقودين وتقديم الدعم لأسرهم. وقد تنطوي التوصيات على سبل لتعزيز تكامل الإجراءات والآليات القائمة وخيارات لتحسين استجابتنا، مثل إمكانية إنشاء هيئة جديدة مخصصة للمفقودين في سوريا بناءً على طلب العديد من الجمعيات الأسرية.
أود أن أؤكد أوّلاً أن عملية إعداد هذا التقرير ليست بأي حال غاية في حد ذاتها. ومن الضروري أن يستجيب المجتمع الدولي لحجم الانتهاكات والجرائم المرتكبة في سوريا ومدى ترويعها عبر اعتماد إجراءات عملية تعزّز حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية والعدالة.
وفي الختام، اقتبس كلمات دولة عضو شاركت في المشاورات، فقالت: علينا أن نتحرّك بسرعة وفي الفور، وعلينا أن نكون استباقيين.