أشهرٌ في الخوف والقلق والارتباك عاشها الأشخاص ذوو الإعاقة في زمن كوفيد-19
09 حزيران/يونيو 2020
لم تغادر نائبة رئيس لجنة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة روزماري كايس منزلها في سيدني بأستراليا لأكثر من ثلاثة أشهر. فهي تدرك بكلّ بساطة أنّ العالم الخارجي أمسى غير آمن بالنسبة إليها.
هي محامية في مجال حقوق الإنسان، وحائزة على ميدالية أستراليا لحقوق الإنسان للعام 2019. أخذت تتابع الأخبار حول كوفيد-19 منذ كانون الثانيّ/ يناير. لذلك عندما وجهت جامعة نيو ساوث ويلز حيث تعمل، تعليمات رسمية لموظفيها في 26 شباط/ فبراير تلزمهم بالعمل من المنزل عندما يكون ذلك ممكنًا، اتبعت كايس النصيحة ولازمت منزلها منذ ذلك الحين.
وأكّدت قائلة: "إن الإصابة في حبلي الشوكي تعني أنّني أواجه خطرًا كبيرًا بالإصابة بكوفيد-19 لأنّ الفيروس يضرب الرئتين والمجاري الهوائية. كما أنّ عضلات صدري وظهري مشلولة، ما يجعل السعال صعبًا جدًا بالنسبة إليّ. فأي مرض تنفسي يؤدي إلى تراكم المواد المخاطية في المجاري يهدد حياتي."
وفي حين أدركت تمامًا أنه من الضروري لها أن تبقى في المنزل، لم تتوقع أبدًا أن تشعر بهذا القدر من العجز والضعف.
فقالت: "عشت في قلق مستمر لأنني لم أستطع الابتعاد جسديًا عن الأشخاص الذين يدعمونني، ولم نتمكن من الوصول إلى معدّات الوقاية الشخصية مثل الكمامات والمواد المعقمة."
وفي منتصف شهر شباط/ فبراير، كشفت اللجنة الأساسيّة المعنية بحماية الصحة في أستراليا، وهي الهيئة المسؤولة عن اتّخاذ القرارات، وتتألّف من كبار المسؤولين في مجال الصحة في الولايات والأقاليم، عن خطة استجابة طارئة لكوفيد-19. وقد ضمنت الخطة وصول العاملين في مجال الرعاية الصحية ودعم المسنين إلى معدّات الوقاية الشخصية. ولكنّ تدابير الحماية لم تشمل ذوي الإعاقة ومن يدعمهم.
وأوضحت كايس قائلة: "لقد اشترى اثنان من عمال الدعم الذين يساعدونني كمّامات قابلة لإعادة الاستخدام أثناء اندلاع الحرائق في غابات أستراليا خلال الصيف، فاستخدماها في البداية. ولكنّني لم أستطع أن أحصل على أي كمامة إضافيّة للآخرين. فكان عليهم الذهاب إلى الصيدليات والمتاجر المختلفة، واضطرّوا إلى توسّل الناس للحصول على كمّامة، وحاولوا إقناع الصيادلة ومديري المتاجر أنهم بحاجة إليها لحماية الأشخاص ذوي الإعاقة الذين يعملون معهم."
وفي موازاة ذلك، زادت حالة الذعر التي ضربت المتسوّقين والمخاوف من فيروس كورونا من تعقيد أوضاع كانت عصيبة أصلاً. وتابعت قائلة: "كان من الصعب للغاية الحصول على ورق تواليت وصابون لغسل اليدين ومواد مطهرة. وهي سلع ضرورية للسيطرة على انتقال العدوى داخل منزلي وبين أعضاء فريق الدعم الخاص بي. لقد أمضينا الكثير من الوقت للحصول على هذه السلع، ما زاد من قلقي وضعفي والمخاطر التي أواجهها."
تحدّيات غير مسبوقة
لقد أدى استبعاد الأشخاص ذوي الإعاقة عن خطة الاستجابة للطوارئ إلى مناصرة واسعة النطاق في مجتمع ذوي الإعاقة، فأنشأت الحكومة الأسترالية في نهاية المطاف مجموعة استشارية معنية بقضايا الإعاقة في نيسان/ أبريل بهدف إعداد خطة استجابة لكوفيد-19 خاصة بالإعاقة، أي بعد شهرين من إطلاق الخطة الأساسيّة.
وشدّدت كايس قائلة: "خلال هذين الشهرين، لم يحصل الأشخاص ذوو الإعاقة إلا على قدر لا يُذكَر من المعلومات، كما لم يحصلوا على معلومات محدّدة يمكن الوصول إليها بشأن أعراض الفيروس، وكيفية الوقاية منه، على غرار كيفية ممارسة التباعد الجسدي عندما يُطلب من عمال الدعم المساعدة في الرعاية الشخصية. كما أنّ إعلانات الحكومة الأسترالية لم تنطوِ في البدلية على ترجمة بلغة الإشارة. فالنقص في الموارد والمعلومات التي يمكن الوصول إليها ولّد مستويات عالية من الخوف والقلق والارتباك."
واعتبرت أن تنفيذ أوامر الصحة العامة يزيد من تفاقم القيود التي يعاني منها أصلاً الأشخاص ذوو الإعاقة في دور الرعاية حيث يقيمون. وأضافت قائلة: "لقد احتُجِز ذوو الإعاقة في غرفهم لفترات طويلة ومُنعوا من مغادرة دور الرعاية نهائيًا. ولا تزال بعض المرافق تمنع الزوار، بما في ذلك أفراد العائلة والأصدقاء حتى بعد تخفيف القيود الحكومية."
وأكّدت كايس أنّ التحديات التي نعيشها اليوم غير مسبوق وقد جعلت الأشخاص ذوي الإعاقة يشعرون بالكثير من الضعف.
أعلنت نائبة رئيس لجنة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة روزماري كايس قائلة: "شعرت بأنّني محاصرة، تمامًا كما شعر الكثيرون من مجتمع ذوي الإعاقة. كما أنّني لم أحسّ بأنني مسيطرة على الوضع."
لطالما عاشت كايس، التي كرّست حياتها المهنية لحقوق الإنسان والإعاقة وإصلاح السياسات، باستقلالية تامة قبل تفشي كوفيد-19. فعملت أربعة أيام في الأسبوع في الجامعة، وسافرت كثيرًا إلى خارج البلاد لدواعي عملها. وتضمّنت أنشطتها الترفيهية المفضلة الذهاب إلى المطاعم المحلية وصناعة البيرة مع الأصدقاء، والتسلية بألعاب تمتحن معلوماتها كل ليلة ثلاثاء في حانة محلية.
وهي تستمر حاليًا في العمل من المنزل ولكن عملها أصبح أكثر ارتباطًا بكوفيد-19، فهي تعدّ مثلاً بيانات لمعالجة قضية عدم شمل الأشخاص ذوي الإعاقة في الاستجابة للوباء.
وتنفّذ الحكومات في أستراليا حاليًا خطة الاستجابة لكوفيد-19 الخاصة بذوي الإعاقة، وتوفر حماية صحية أكبر لهم. لكنّ التحديات التي يواجهها الأشخاص ذوو الإعاقة لا تقتصر في الواقع على أستراليا وحدها.
عدم مساواة وتمييز حتّى قبل كوفيد-19
فقد كشف وباء كوفيد-19 أنّ اتّفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة لم تنفذها بشكل شامل الدول التي صدقت عليها.
وأكّدت كايس قائلة: "أتى استبعاد الأشخاص ذوي الإعاقة عن الاستجابة للوباء نتيجة عدم المساواة والتمييز على أساس التنقيص من قيمة الشخص على أساس الإعاقة المترسخَيْن أصلاً، والرأي القائل إن الإعاقة هي ’غير طبيعية‘ وغياب الإعاقة هو ’الطبيعي‘. فالتخفيض من قيمة الأشخاص ذوي الإعاقة متأصّل في القانون والسياسة والممارسة، ما يؤدّي إلى تحيّز عند اتّخاذ القرارات المتعلّقة بمن يستحقّ الرعاية الصحية الضرورية والتدابير المنقذة للحياة. لقد أصبح التنقيص من قيمة الشخص على أساس الإعاقة الذي أكتب عنه بصفتي المهنية بمثابة تذكير مخيف ومثير للقلق بأنه يمكن الاستغناء عني من أجل إنقاذ الأشخاص ’الحقيقيين‘.
ليس الأشخاص ذوو الإعاقة بضعفاء بطبيعتهم. فالحواجز السلوكية والبيئية والمؤسسية هي ما يؤدي إلى مستويات أكثر ارتفاعًا من الضعف. وقد يعاني الأشخاص ذوو الإعاقة أمراضًا مزمنة تجعلهم أكثر عرضة لخطر الإصابة بكوفيد-19، فيعانون مضاعفات تؤدّي إلى وفاتهم، ولكن هذا الخطر يتفاقم بسبب عدم المساواة والتمييز."
وبالتطلّع إلى ما بعد الوباء، من الضروري أن تشكل اتّفاقية الأشخاص ذوي الإعاقة المعيار للتخطيط الشامل وتدابير التعافي، على حدّ تعبير كايس، مضيفة أن اللجنة تعتبر أنّه "من الضروري أن تتبنى الدول نهجًا متجذّرًا في حقوق الإنسان وأن تتّخذ اليوم الإجراءات اللازمة لبناء مجتمعات تشمل الجميع، وتكون منصفة ومستدامة وقادرة على المواجهة والصمود بهدف الوقاية والاستجابة السريعة لطوارئ الصحة العامة في المستقبل."
وقد أصدرت اللجنة مؤخرًا بيانًا بشأن كوفيد-19 وهو متوفّر على هذا الرابط.
في 9 حزيران/ يونيو 2020