"عمليات نقل الأسلحة ليست مجالًا غير معني بحقوق الإنسان"
21 آذار/مارس 2025

"تساهم عمليات نقل الأسلحة إلى الدول المتورطة في انتهاكات حقوق الإنسان، من دون أدنى شكّ، في وقوع المزيد من الانتهاكات، كما وتؤثر سلبًا على حقوق الإنسان. فهي أحد الأسباب الأساسية الكامنة وراء الفظائع والجرائم الوحشية التي تُرتكب في مناطق مختلفة حول العالم،" على حدّ تعبير خولة الرويشان.
والرويشان مديرة وحدة المساءلة والإنصاف في منظمة مواطنة لحقوق الإنسان، وهي منظمة يمنية مستقلة تدافع عن حقوق الإنسان وتقدم المساعدة القانونية إلى ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك من خلال التقاضي ضد صادرات الأسلحة.
وتقع على عاتق الدول والشركات الخاصة التزامات ومسؤوليات بموجب القانون والمعايير الدولية لمنع الأثر السلبي على حقوق الإنسان الناجم عن عمليات نقل الأسلحة، ومعالجته والتخفيف من حدّته.
ومع ذلك، يبرز العديد من الثغرات بين ما يجب على القطاع الخاص والدول القيام به، وما تقوم به في الممارسة العملية، مع ما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة على المدنيين، على حدّ ما يؤكده نشطاء في مجال حقوق الإنسان.
وفيما يواجه العالم أكبر عدد على الإطلاق من النزاعات العنيفة منذ الحرب العالمية الثانية، يلجأ عدد متزايد من المدافعين عن حقوق الإنسان والمحامين والمنظمات غير الحكومية إلى المحاكم، بغية إجبار الدول على منع إمدادات الأسلحة التي تغذي الانتهاكات، ومحاسبة الدول والشركات.
“
عمليات نقل الأسلحة ليست مجالًا غير معني بحقوق الإنسان. فعلى كلٍّ من الدول والجهات الفاعلة الخاصة التزامات ومسؤوليات واضحة بموجب القانون الدولي والمعايير الدولية.
“
مفوّض الأمم المتّحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك
وقد رفعت منظّمة "مواطنة" عدة دعاوى قضائية أمام المحاكم الوطنية الأوروبية، بهدف مساءلة مصنعي الأسلحة الأوروبيين والأفراد المتورطين في تصدير الأسلحة إلى أطراف النزاع في اليمن، عن انتهاكات حقوق الإنسان. وتسعى الشكاوى أيضًا إلى وقف تصدير الأسلحة غير القانونية وتوفير سبل الانتصاف للضحايا وعائلاتهم.
فبين 26 آذار/ مارس 2015 ونيسان/ أبريل 2022، وثّقت منظّمة مواطنة 1,070 غارة جوية نفذها التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
وأكّدت المنظّمة أنّ هذه الهجمات أسفرت عن مقتل آلاف المدنيين، وتسببت في تدمير البنية التحتية المدنية على نطاق واسع، بما في ذلك المدارس والمستشفيات والمراكز الصحية، وخلقت وضعًا مأساويًا وكارثيًا لحقوق الإنسان في اليمن.
وأوضحت الرويشان قائلة: "عند النظر إلى الأسلحة المستخدمة في معظم هذه الاعتداءات، نجد أنها أوروبية أو أميركية الصنع، وتم نقلها إلى التحالف بقيادة السعودية والإمارات قبل اندلاع النزاع في اليمن وأثناءه."
وتابعت قائلة: "كان من الممكن أن يخفّف وقف تصدير الأسلحة إلى التحالف من الأزمة الإنسانية، وأن يتيح فرصًا لتحقيق السلام في اليمن."
الثغرات بارزة
أشار تقرير صدر هذا الشهر عن مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان، إلى أنّ الدول وجهات فاعلة من القطاع الخاص، واصلت نقل الأسلحة إلى الجيش في ميانمار وإسرائيل وأطراف النزاعات في السودان وجنوب السودان واليمن، رغم وجود خطر من أن تساهم في ارتكاب انتهاكات خطيرة للقانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان.
ودعا التقرير الذي قُدِّم إلى الدورة الـ58 لمجلس حقوق الإنسان، المنعقدة في جنيف بسويسرا، الدول والقطاع الخاص إلى بذل المزيد من الجهود لمعالجة الآثار المدمرة لعمليات نقل الأسلحة على حقوق الإنسان.
وشدّد التقرير على أنّه على الدول إجراء تقييمات للمخاطر أكثر صرامة، والامتناع عن نقل الأسلحة حيثما ينتهك القانون الدولي، ومنع عمليات النقل غير القانونية من قبل الآخرين، وضمان الرقابة القضائية، وتوفير سبل الانتصاف للضحايا.
أمّا كانيل لافيت، وهي المديرة المشاركة لقسم الأعمال التجارية وحقوق الإنسان في المنظمة القانونية المستقلة غير الربحية المعروفة بالمركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان، فأكّدت من جهتها على ضرورة اعتماد نظام متين لمراقبة الصادرات بهدف التخفيف من أثر عمليات نقل الأسلحة على حقوق الإنسان.
وقد رفع المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان دعاوى قضائية استراتيجية أمام المحاكم الوطنية في أوروبا لوقف صادرات الأسلحة إلى إسرائيل واليمن، ومحاسبة الدول والشركات على الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي. كما يسعى المركز إلى تعزيز الشفافية وإنصاف المجتمعات المحلية المتضررة من دور الدول والشركات الخاصة المشاركة في توريد الأسلحة.
ومن خلال التعاون مع شركائه من المنظمات الفلسطينية، ومنها المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان ومركز الميزان ومؤسسة الحق، دعم المركز ومقره برلين، خمسة فلسطينيين في غزة فقدوا أقاربهم في الحرب وأمست حياتهم في خطر شديد في رفع عدة دعاوى قضائية أمام المحاكم الألمانية ضد تصدير الأسلحة والمعدات العسكرية الأخرى من ألمانيا إلى إسرائيل.
وقالت المستشارة القانونية في برنامج الجرائم الدولية والمساءلة التابع للمركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان، ليليان لوينبروك: "إنّ الأثر السلبي لعمليات نقل الأسلحة إلى إسرائيل خطير بشكل خاص بسبب ارتفاع مستوى الدمار الذي لحق بحياة المدنيين وبالبنية التحتية نتيجة العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
وتشدّد منظّمة مواطنة والمركز الأوروبي على أنّ تحديات جمّة تعيق التأكد من أن الدول تفي بالتزاماتها في معالجة الأثر السلبي لعمليات نقل الأسلحة.
فغياب الشفافية فيما يتعلق بعمليات نقل الأسلحة متفشٍ على نطاق واسع، كما أن القواعد الإجرائية الضيقة تصعّب على المتقاضين رفع القضايا أمام المحاكم الوطنية، كما يتردّد القضاة بشكل مفرط في إصدار أحكام ضد الحكومات. ويحذّر تقرير مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان من أن ذلك يثير "شواغل كبيرة بشأن تهميش دور القضاء في التحكّم في قرارات نقل الأسلحة في العديد من الدول."
“
تبيّن الجرائم الوحشية التي ارتُكبت في العديد من مناطق العالم، أنّ الرقابة الحالية المفروضة على عمليات نقل الأسلحة لا تجدي نفعًا.
“
خولة الرويشان، مديرة وحدة المساءلة والإنصاف في منظمة مواطنة لحقوق الإنسان
وتعتبر الرويشان أن المساءلة وإنصاف الضحايا يشكّلان خطوتين أساسيتين أوليتين للتخفيف من الآثار السلبية لعمليات نقل الأسلحة على حقوق الإنسان.
مسؤوليات شركات الأعمال
تتحمل شركات الأعمال أيضًا، بموجب المبادئ التوجيهية للأمم المتّحدة بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان، مسؤولية احترام حقوق الإنسان والقانون الإنساني ومعالجة مخاطر الآثار السلبية.
كما يشير تقرير مفوضية الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان إلى فشل الشركات في إجراء تقييمات بذل العناية الواجبة، ويسلط الضوء على أمثلة تورطت فيها شركات الأعمال في عمليات نقل أسلحة غير قانونية.
ومع ذلك، فإن مساءلة الشركات أمام المحاكم عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني اناتجة عن إمداداتها من الأسلحة تواجه الكثير من التحديات أيضًا، بما في ذلك الافتقار إلى الشفافية في صادرات الأسلحة.
وشدّدت لافيت قائلة: "لا تزال الشركات تدعي أن قرارات التصدير التي تتخذها تعتمد على التراخيص التي تمنحها الدول، وبالتالي ترفض الاعتراف بمسؤوليتها، فتضمن عدم مساهمة أنشطتها في انتهاكات حقوق الإنسان."
أمّا مدير البرنامج الدولي لحقوق الإنسان بالنيابة، في جامعة تورنتو جيمس ياب، فأكد من جهته أنّ الطبيعة العابرة للحدود الوطنية لصناعة الأسلحة، إلى جانب الغموض الكبير المحيط بصادرات الأسلحة، يصعّب مساءلة الشركات.
فقال: "بإمكان الأسلحة، شأنها شأن جميع السلع، أن تنتقل بحرية تامة من بلد إلى آخر." ويمثّل ياب تحالفًا من الأفراد والمنظمات غير الحكومية الفلسطينية والكندية، يقاضي الحكومة الكندية لوقف صادرات الأسلحة إلى إسرائيل.
وأضاف قائلًا: "تطرح مرونة سلاسل التوريد العالمية وقدرتها على التكيف، إلى جانب عدم كفاية تنظيم سلاسل التوريد، مشكلة بارزة لأن معظم الدول لا ينظم سوى صادرات الأسلحة المباشرة."
ووفقًا لمرصد التقاضي في مجال تجارة الأسلحة، وهي مبادرة تم إطلاقها في العام 2023 بهدف إذكاء الوعي بالجهود القضائية التي تتصدّى لإمدادات الأسلحة، فقد سُجِّلَت زيادة بارزة خلال السنوات الأخيرة في عدد الدعاوى القضائية ضد قرارات الحكومات بتصدير الأسلحة.
وختم ياب قائلًا: "يتمحور الأمر كله حول ضمان احترام حقوق الإنسان المحمية دوليًا وسيادة القانون. لقد حان الوقت لإحراز تقدّم في الاتّجاه الصحيح واتخاذ الإجراءات اللازمة في هذا الصدد."