Skip to main content

نهج فعال وإنساني لسياسات مكافحة المخدرات

04 نيسان/أبريل 2025

أشخاص يمسكون بأيدي بعضهم البعض خلال جلسة علاج جماعي.
© صور غيتي

"لقد دمر ما يُعرَف بالحرب على المخدرات حياة عدد لا يحصى ولا يُعَدّ من الناس وألحق أضرارًا وخيمة بمجتمعات محليّة بأكملها. إلاّ أنّ هذه السياسات لا تجدي بكلّ بساطة أي نفع، كما أنّنا نخذل بعض الفئات الأكثر ضعفًا في مجتمعاتنا"، على حدّ ما أكّده مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك في كلمة ألقاها مؤخرًا، وتناول فيها السياسات العالمية بشأن المخدرات.

فعلى مدى عقود، اعتمدت الحكومات نهجًا عقابيًا إلى حد كبير من أجل السيطرة على المخدرات. ويؤكّد خبراء الأمم المتحدة أنّ النتائج أتت كارثية، ويذكرون بعض عواقبها الضارة:

معدلات سجن مرتفعة للغاية، وتزايد الجرائم والعنف المرتبطَين بالمخدرات، وأعداد قياسية من الوفيات المرتبطة بالمخدرات، وتزايد الإنتاج غير المشروع للمخدرات، ووصم مجتمعات محلية بأكملها وممارسة التمييز ضدها.

لكّننا أحرزنا خلال السنوات الأخيرة، بعض التقدّم البارز في هذا المجال.

من الفلبين إلى غانا مرورًا بباكستان وكولومبيا، تتبنى البلدان سياسات لمكافحة المخدرات تبتعد عن العقاب والتجريم وتتجه نحو نهج أكثر فعالية وإنسانية، يركّز على الصحة العامة والكرامة وحقوق الإنسان.

ميثاق الحقوق في اسكتلندا

في كانون الأوّل/ ديسمبر الماضي، أطلقت اسكتلندا ميثاق حقوق الأشخاص المتأثرين بتعاطي المخدرات، وهو أول وثيقة من نوعها تهدف إلى ضمان أن يكتشف الأشخاص الذين يتعاطون المخدرات وغيرها من المواد المخدرة، حقوقهم، وأن يتلقَّوا الدعم الذي يحتاجون إليه، وأن يُعامَلوا بكرامة.

وقد أوضح آلان ميلر، وهو ناشط بارز في مجال حقوق الإنسان وأستاذ مادة قانون حقوق الإنسان في الممارسة بجامعة ستراثكلايد غلاسكو قائلًا: "يحدّد الميثاق حقوق الإنسان الأساسية الواجبة للمتضررين من تعاطي المواد المخدرة ويشكّل تحوّلًا جذريًا عن النهج السابق المتمثل في التجريم. كما يرسخ الناس والكرامة الإنسانية في صميم أي تدابير مُعتَمَدة في هذا الصدد."

وترأس ميلر الجمعية التعاونية الوطنية، وهي شبكة مستقلة أعدّت الميثاق بمشاركة المجتمع المدني وصناع القرار والمجتمعات المحلية المتضررة والأشخاص الذين يتعاطون المخدرات وأسرهم.

وبحسب ميلر، تمثّل جزئيًا الدافع وراء اعتماد الميثاق، في تسجيل اسكتلندا، ولسنوات طويلة، أعلى معدل وفيات بسبب المخدرات في أوروبا، ما حثّ الحكومة على اعتبارها حالة طوارئ وطنية.

وأضاف قائلًا: "من الواضح أن حجم الوفيات شكّل نقطة تحوّل جذري في هذا السياق، لكن برز أيضًا تحوّل في الخطاب العام. وقد شكّلت العائلات مجموعات دعم وبدأت في التعبير عن رأيها والتحدث علنًا. فأصبح الجمهور يعتبر اليوم مشكلة المخدّرات مشكلة صحية مرتبطة بعدم المساواة والفقر، لا مشكلة تعني المروجين والمتاجرين فحسب."

Scotland’s First Minister John Swinney speaks during the December 2024 launch of the Charter as human rights activist Alan Miller looks on.

نائب رئيس الوزراء في اسكتلندا جون سويني يتحدث خلال إطلاق ميثاق حقوق الإنسان في كانون الأول/ ديسمبر 2024، فيما ينظر إليه الناشط في مجال حقوق الإنسان ألان ميلر. © رويترز

يمثل الميثاق تحولاً جذريًا، بعيدًا عن العقاب ونحو الوقاية والعلاج ودعم المتضررين من تعاطي المخدرات، بما يتماشى مع المبادئ التوجيهية الدولية المتعلّقة بحقوق الإنسان وسياسة المخدرات.

مفوّض الأمم المتّحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك

وينصّ الميثاق، المستمد من القانون الوطني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، على حقوق أساسية هي: الحق في الحياة، والحق في التمتع بأعلى مستوى من الصحة البدنية والعقلية يمكن بلوغه، والحق في مستوى معيشي لائق، والحق في الحياة الخاصة والأسرية، والحق في بيئة صحية، والتحرر من المعاملة المهينة والاعتقال التعسفي.

الصحة وحقوق الإنسان

شرحت نيامه إيستوود، المديرة التنفيذية لمنظمة Release، وهي منظمة مقرها المملكة المتحدة متخصصة في قوانين المخدرات وتناضل من أجل سياسات المخدرات القائمة على الصحة العامة وحقوق الإنسان، أنّ معاملة الأشخاص الذين يتعاطون المخدرات كمجرمين يزيد من معاناتهم، ويسبّب وصمة عار وإقصاء، ويمنعهم من الحصول على التدخلات الصحية المنقذة للحياة، التي هم بأمس الحاجة إليها.

فقالت: "هناك انتقاص من معايير حقوق الإنسان الأساسية الواجبة لهذه المجموعة. نحن نتحدث عن الحقوق التي يجب أن نتمتع بها جميعًا كبشر. والميثاق هو الأول من نوعه في هذا المجال، ونأمل أن يتمّ اعتماد المزيد من الخطوات في هذا الصدد."

ومن جهته، أشار المستشار المعني بحقوق الإنسان وسياسات المخدرات في مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان زافيد محمود، إلى أنّه على الرغم من التحديات التي تواجه حقوق الإنسان في معالجة مشكلة المخدرات العالمية، يبرز اتجاه للانتقال من السياسات العقابية نحو السياسات القائمة على الصحة وحقوق الإنسان في مجال المخدرات.

فقال: "هناك قبول عام بأن أي نقاش حول سياسات المخدرات يجب أن يأخذ في الاعتبار التزامات الدول في مجال حقوق الإنسان."

وتتعاون مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان، بموجب ولايتها، مع الدول الأعضاء والشركاء على تعزيز النهج القائم على حقوق الإنسان في إعداد سياسات المخدّرات وتنفيذها، بما في ذلك المبادئ التوجيهية الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وسياسة المخدرات، التي تمّ إطلاقها في العام 2019.

نهج مختلف

Relatives of drug war victims at a memorial site for drug war victims in the Philippines.

أقارب ضحايا الحرب على المخدرات في موقع تذكاري في الفلبين. © رويترز

في الفلبين، أدّت المفوضية السامية، بالتعاون مع مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، دورًا فعالًا في جهود الحكومة الرامية إلى إصلاح سياسة المخدرات، حيث تعاونت مع وزارة العدل ووزارة الداخلية والحكومة المحلية ووزارة الصحة والشرطة.

"لقد اتبعت الفلبين نهجًا عقابيًا إزاء المخدرات. فقُتِل عدد كبير من الأشخاص في ظل الإدارة السابقة، وانتهى الأمر بالبلاد بضمّها إحدى أكثر نظم الاحتجاز قبل المحاكمة ازدحامًا في العالم،" بحسب ما أوضحته المستشارة الأولى لحقوق الإنسان في مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في مانيلا، سينْي بولسن.

وقد شكّلت المفوضية السامية جزءًا من برنامج مبتكر مشترك للأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان مع الوكالات الحكومية والمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان والمجتمع المدني، لتقديم المساعدة التقنية من أجل تنفيذ إصلاحات في مجالات أساسية، بما في ذلك النهج القائم على حقوق الإنسان لمكافحة المخدرات.

وتابعت بولسن قائلة: "على الرغم من أنه لا بدّ من بذل المزيد من الجهود، يبرز اليوم فهمًا واستعدادًا للنظر في نهج مختلف."

وساهم عمل مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان في الفلبين في تعزيز دعم الحكومة لإنشاء معهد مستقل للطب الشرعي من أجل التحقيق في حالات الوفاة التي يُحتمل أن تكون غير مشروعة، بما في ذلك عمليات القتل المرتبطة بالمخدرات. كما دعمت المفوضية المنظمات الشعبية، وساعدت الأرامل في مجالات مثل الدعم النفسي والاجتماعي، والحصول على الخدمات الأساسية، وتخليد الذكرى.

عقوبة الإعدام

ترافقت "الحرب على المخدرات" مع تزايد حالات الإعدام، ما يتعارض مع القانون الدولي لحقوق الإنسان. ففي 34 بلدًا، تُفرض عقوبة الإعدام على الجرائم المتعلقة بالمخدرات. وفي العام 2024، كانت جرائم المخدرات مسؤولة عن 40 في المائة من جميع حالات الإعدام المؤكدة على المستوى العالمي - أي نحو عملية من بين كل اثنتين، وفقًا للمنظمة الدولية للحد من الأضرار.

ومع ذلك، تمّ إحراز تقدم في السنوات الأخيرة نحو إلغاء عقوبة الإعدام. فقد ألغت باكستان عقوبة الإعدام في الجرائم المتعلقة بالمخدرات في العام 2023. وفي العام نفسه، ألغت ماليزيا الطبيعة الإلزامية لعقوبة الإعدام، ومنحت القضاة سلطة تقديرية كاملة في قضايا الاتجار بالمخدرات.

هناك دومًا خطوتان إلى الأمام وخطوة إلى الوراء عند إصلاح سياسة المخدرات.

البروفيسوة أديبة قمر الزمان، عضو اللجنة العالمية المعنية بسياسة المخدرات والمجلس الاستشاري الصحي الماليزي المستقل

أما في غانا فأدت الإصلاحات القانونية التي شهدها العام 2020 إلى تغيير إطار سياسات المخدرات بغية التعامل مع تعاطي المخدرات كمسألة صحة عامة، وتقديم بدائل للسجن، مع اعتماد خطّة وطنية للحد من الأحكام غير المتناسبة في الجرائم المتعلقة بالمخدرات. وينشط برنامج الحد من الأضرار حاليًا في أربع عشرة مقاطعة، بدعم من ستة مراكز استقبال.

Colombia is moving away from a repressive approach to eliminating the illicit cultivation of narcotic plants towards a focus on improving rural economies and conditions in communities.

تبتعد كولومبيا عن النهج القمعي في القضاء على الزراعة غير المشروعة للنباتات المخدرة نحو التركيز على تحسين الاقتصادات الريفية وظروف المجتمعات المحلية. © رويترز

وبدعم من مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان، تنفذ كولومبيا سياسة جديدة في مجال المخدرات تمنح الأولوية للتنمية والصحة العامة وحقوق الإنسان بدلًا من التدابير القمعية والأمنية التي كانت متَّبَعة في الماضي.

وتتضمن اتفاقات السلام التاريخية لعام 2016 فصلاً مخصصًا للقضاء على مشكلة المخدرات غير المشروعة، وقد شددت لجنة تقصي الحقائق على أن إصلاح سياسة المخدرات يجب أن يشكّل جزءًا من جهود بناء السلام.

وتساهم المفوضية السامية في النهج الذي تتبعه كولومبيا في منع الزراعة غير المشروعة للنباتات المخدرة والقضاء عليها، عبر تحسين الظروف في المجتمعات التي تعتمد على اقتصاد المخدرات ودعمها باستثمارات اجتماعية.

وبدعم من المفوضية السامية، تهدف الحكومة أيضًا إلى التصدي للعنف الناجم عن الاتجار بالمخدرات وغيره من الاقتصادات غير المشروعة من خلال معالجة الأسباب الهيكلية وتعزيز قدرة الدولة على ضمان حقوق الإنسان.

وقد دعا تورك مرارًا وتكرارًا إلى اتباع نهج تحويلي في سياسة المخدرات يراعي المنظور الجنساني، ويشمل الرعاية الطبية الطوعية، وتدابير الحد من الضرر، وإلغاء التجريم، وإعادة الإدماج الاجتماعي، والتنظيم المسؤول للسيطرة على أسواق المخدرات غير المشروعة.

فقال: "إنّ سياسات المخدرات التي تمنح الأولوية إلى الصحة وحقوق الإنسان هي أكثر فعالية وأكثر إنسانية."

الصفحة متوفرة باللغة: