التصدي للعنصرية المترسّخة في نظم العدالة الجنائية في جميع أنحاء العالم
11 حزيران/يونيو 2025

"السجون في البرازيل هي بمثابة senzalas حديثة - إذ أمست تحاكي مساكن العبيد في عهد الاستعمار،" على حدّ تعبير ليفيا سانتانا فاز، وهي مدعية عامة برازيلية من أصل أفريقي.
وباعتبارها من بين المدعين العامين السود النادري الوجود في البرازيل، أكّدت سانتانا فاز أنها شهدت كيف أن النظام القضائي الذي يغلب عليه البيض يواصل تجريد المنحدرين من أصل أفريقي من الإنسانية - حتى في الوقت الذي يدعي فيه أنه يطبق القانون.
ووفقًا لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، لا تزال العنصرية النظمية متجذرة في البلدان في جميع أنحاء العالم، وهي تؤثر على كل مرحلة من مراحل الإجراءات الجنائية، بدءًا من اعتقال الشخص الأسود، مرورًا بالملاحقة القضائية والمحاكمة والإدانة، وصولًا إلى إصدار الحكم وتنفيذ العقوبة.
ويجري التدقيق في هذه الحقائق على الصعيد الدولي من خلال الآلية الدولية للخبراء المستقلين المعنية بالنهوض بالعدالة والمساواة العرقيتين في سياق إنفاذ القانون، التي كلّفها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بدراسة العنصرية النُظمية في مجال ضبط الأمن والعدالة الجنائية، وإصدار توصيات في هذا الصدد ومتابعتها وتنفيذها. ومن خلال المشاورات والزيارات القطرية، تخلق الآلية الدولية مساحة للخبرات التقنية، على غرار خبرة سانتانا فاز، والتجارب الحية وتنقل مطالب الأشخاص الأكثر تضررًا من النظام.
وقد شدّدت سانتانا فاز قائلة: "أن أكون امرأة سوداء في نظام العدالة البرازيلي هو الاستثناء الذي يؤكّد قاعدة الإقصاء القاسية."
ووصفت سانتانا فاز هذا الإقصاء بأنه نُظمي، مشيرةً إلى التنميط العنصري الروتيني، وضعف الأدلة الذي يؤدي إلى سجن الأبرياء من السود، واللامبالاة القضائية، وعدم كفاية المساعدة القانونية، والسجون التي تتسم بالمعاناة والإهمال.

ليفيا سانتانا فاز، مدعية عامة برازيلية، خلال المشاورات في جنيف، سويسرا، في أيار/ مايو 2025. © المفوضية السامية لحقوق الإنسان/ أموك أليكوليتي
ووفقًا لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، تُظهر البيانات والتجارب الحية أن الأفريقيين والمنحدرين من أصل أفريقي لا يزالون يواجهون نتائج غير متناسبة وتمييزية في نظام العدالة الجنائية في العديد من البلدان.
وتعكس تجربة البرازيل واقعًا أوسع نطاقًا، يَبرُز أيضًا في الولايات المتحدة، حيث واجه هيرمان ليندسي، وهو الشخص الـ23 الذي تمت تبرئته من حكم الإعدام في فلوريدا، التحيز العنصري الخفي الذي كاد يكلفه حياته. وقد أخبر قائلًا: "لم ألمس التحيز أثناء المحاكمة. لكن بعد ذلك، علمت أن رئيس هيئة المحلفين قد طُرد بسبب الإهانات العنصرية. فكيف يمكن إثبات العنصرية عندما تكون خفية بهذا الشكل؟"
يشغل ليندسي حاليًا منصب المدير التنفيذي لمنظمة "شهود على البراءة"، وهي منظمة تدعو إلى إنهاء عقوبة الإعدام وتدعم المدانين ظلمًا.
وقد أوضح قائلًا: "في طابور الإعدام، شكّلنا عائلة واحدة كبيرة. ولم يفرّق بيننا لا عرق ولا انقسام. ولم نشعر سوى بالأمل والإيمان."
وأكد ليندسي أنّ معظم الناس لا يفهمون النظام إلا عندما يؤثر عليهم، مسلطًا الضوء على أهمية الوعي والشهادات المباشرة، وهو ما كان محوريًا في المشاورات التشاركية التي أجرتها الآلية الدولية للخبراء المستقلين المعنية بالنهوض بالعدالة والمساواة العرقيتين في سياق إنفاذ القانون مع الضحايا والناجين والمسؤولين والمجتمع المدني خلال زياراتها القطرية.
وشاركت سانتانا فاز وليندسي مؤخرًا في المشاورات العامة التي أجرتها الآلية الدولية في جنيف بسويسرا، وانضم إليها مدافعون عن الحقوق وخبراء في مجال القانون وأصحاب التجارب الحية من جميع أنحاء العالم، بهدف تبادل الشهادات حول العنصرية النظمية المترسخة في نظم إنفاذ القانون والعدالة الجنائية.
مدّ جسور بين عالمَيْن
ترايسي كيسي هي نائبة مفوض سابقة في إدارة شرطة نيويورك، وتساهم منذ فترة طويلة في إصلاح نظام إنفاذ القانون، وهي من بين أعضاء الآلية الدولية للخبراء المستقلين المعنية بالنهوض بالعدالة والمساواة العرقيتين في سياق إنفاذ القانون الثلاثة.
“
أنا أنتمي إلى عالم إنفاذ القانون وإلى مجتمع السود. ما يسمح لي بأن أعمل كجسر تواصل بين هذين العالمَيْن.
“
ترايسي كيسي، عضو في الآلية الدولية للخبراء المستقلين المعنية بالنهوض بالعدالة والمساواة العرقيتين في سياق إنفاذ القانون
وشدّدت كيسي على أنّ آلية الخبراء تصبح أكثر فعالية عندما تُعلي أصوات المجتمع المحلي وتربط الإصلاحات المؤسسية باحتياجات الفئات التي غالبًا ما تبقى مهمّشة، بدلًا من أن تعتمد على نُهُجٍ تنازلية. ومن التحديات الأساسية التي سلّطت كيسي الضوء عليها النقص في البيانات المُصنّفة والمتسقة حول كيفية تقاطع العرق مع ضبط الأمن والعقاب. وأضافت أن البيانات ليست مجرد أداة تشخيصية؛ بل تشكّل أيضًا آلية للتحقق والشفافية والمساءلة. وبدونها، تبقى أنماط التفاوت العرقي متناقلة، ويسهل بالتالي تجاهلها.
وأكّدت كيسي قائلة: "إذا لم نحصِها، فنحن ننكرها."

ترايسي كيسي (الرابعة من اليسار)، العضو في الآلية الدولية للخبراء المستقلين المعنية بالنهوض بالعدالة والمساواة العرقيتين في سياق إنفاذ القانون، تلقي كلمةً خلال المشاورات في جنيف، سويسرا، أيار/ مايو 2025. © مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان/ أموك أليكوليتي
وقالت كيسي إن مقاومة جمع البيانات على أساس العرق لا تتعلق بجدوى التطبيق بقدر ما تتعلق بالخوف مما قد تكشفه البيانات عن قضايا نُظُمية.
مع الشعب ومن أجل الشعب
أوضحت كيسي قائلة: "غالبًا ما يبتكر الحلول أقرب الناس إلى المشكلة. ولهذا السبب تمنح مشاورات الآلية الدولية للخبراء المستقلين المعنية بالنهوض بالعدالة والمساواة العرقيتين في سياق إنفاذ القانون، الأولوية للتجارب الحية. فعندما نقول إن المجتمعات يجب أن تتواجد على طاولة المفاوضات، فإننا نعني ذلك منذ البداية، لا بعد صياغة السياسة."
وتوافقها سانتانا فاز الرأي. وتقول: "لا أؤمن بالعدالة المصممة من أجل الشعب، بل يجب أن تُصنع بمشاركة الشعب."
وتتلاقى وجهات نظرهما أيضًا حول حقيقة أنّ السياسة وحدها لا تستطيع أن تُلغي قرونًا من الظلم، وأن التمثيل من دون سلطة ليس منصفًا، وأن إعلان النوايا لا معنى له من دون التطبيق.
وقد أصدرت المفوضية السامية، إدراكًا منها أنّ مشاركة المنحدرين من أصل أفريقي الهادفة والشاملة والآمنة تشكّل شرطًا أساسيًا للتقدم نحو تغيير جذري من أجل تحقيق العدالة والمساواة العرقيتَيْن، مبادئ توجيهية تُفصّل كيف يُمكن للدول والأطراف المهتمة الأخرى إعمال حق المشاركة في الشؤون العامة للأشخاص المنحدرين من أصل أفريقي بكلّ فعالية.
وتنطوي الخطة لإحداث تغيير تحويلي من أجل العدالة والمساواة العرقيتين التي أعدّتها مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان، على 20 توصية تهدف إلى تفكيك العنصرية النظمية والتصدي لموروثات الاستعمار والاسترقاق.
ووفقًا للمفوضية السامية، تتطلّب العنصرية النظمية استجابة نظمية تعكس مسار الإنكار وتغيّر كلًّا من الهياكل والمؤسسات والسلوك المؤدي إلى التمييز ضد المنحدرين من أصل أفريقي في جميع مناحي الحياة.
وعقب كل زيارة قطرية، تصدر الآلية الدولية للخبراء المستقلين المعنية بالنهوض بالعدالة والمساواة العرقيتين في سياق إنفاذ القانون تقريرًا، ثم تتابعه لتقييم التوصيات التي نُفذت أو تعثرت، بهدف تحويل الشهادات إلى أفعال من خلال محاسبة الدول علنًا على وعودها، لا من خلال فرض إنفاذها.
“
العنصرية ميثاق صمت. ولن نحدث أيّ تغيير ما لم نكسره.
“
ليفيا سانتانا فاز، مدعية عامة برازيلية من أصل أفريقي
ويمتد نقد سانتانا فاز إلى مؤسسات إنفاذ القانون، حيث تشير إلى أن العديد من ضباط الخطوط الأمامية هم أنفسهم من السود.
وقد شرحت قائلة: "العنصرية في البرازيل متأصلة في بنية المجتمع لدرجة لا تستدعي تورّط البيض. ويُعيد النظام إنتاج القمع من خلال نفس الأشخاص الذين يُهمّشهم."
ويتطلّب التغيير الجذري، وفقًا للمفوضية السامية، معالجة الآثار الدائمة للاسترقاق والاستعمار، بالإضافة إلى التفاوتات المستمرة وانعدام المساواة في الوصول إلى الفرص والموارد والسلطة، التي يواجهها الأفريقيون والمنحدرون من أصل أفريقي.
ووفقًا لسانتانا فاز، يستغرق الأمر في البرازيل تسعة أجيال كي يصل ولد فقير إلى مستويات دخل متوسطة.
وتتساءل سانتانا فاز قائلة: "كيف يُمكننا الحديث عن الجدارة في مجتمع قائم على امتيازات موروثة؟"
ويُشاركها ليندسي قناعة مُماثلًا، تتمثّل بضرورة إحداث تغيير ثقافي. وقد استلهم أفكاره من الشباب الذين يقودون حركات جديدة.

هيرمان ليندسي (في الوسط، يرتدي قميصًا أزرق) خلال احتجاج في تامبا، فلوريدا، يُطالب الحاكم رونالد ديسانتيس بوقف عمليات الإعدام في الولاية. © هيرمان ليندسي
وأكّد ليندسي قائلًا: "هم يصغون. وينمّون ويرسّخون الحركة تمامًا كما تنمو وتترسّخ جذور الشجرة."
تستمد استشارات الآلية الدولية للخبراء المستقلين المعنية بالنهوض بالعدالة والمساواة العرقيتين في سياق إنفاذ القانون قوّتها من صوت المنحدرين من أصل أفريقي. فعندما يجلس أشخاص مثل سانتانا فاز وليندسي على طاولة واحدة مع مسؤولين من الأمم المتحدة وممثلي الحكومات، يتحول مسار الحوار، وينجح الضغط في إحداث تغيير، ولو ببطء.
وختمت كايسي قائلة: "يرغب الجميع في الشيء نفسه - ألا وهو السير في الشوارع من دون التعرض للمضايقة أو الأذى. سواء كنتم ترتدون الزي العسكري أم لا، تريدون العودة إلى المنزل سالمين."
يصادف هذا العام الاحتفال بالذكرى السنوية الـ60 لاعتماد الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري. المزيد من المعلومات على هذا الرابط.